كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



فبنوا باطلًا على باطل. ولا شك أن الباطل لا يبنى عليه إلا الباطل.
ولوتصوروا معاني ظواهر الكتاب والسنة على حقيقتها لمنعهم ذلك. من أن يقولوا ما قالوا.
فتصور الصاوي. أن ظاهر آية الكهف المتقدمة. هو حل الأيمان. بالتعليق بالمشيئة المتأخر زمنها عن اليمين. وبناؤه على ذلك مخالفة ظاهر الآية لمذاهب الأئمة الأربع. وأن الأخذ بظواهر الكتاب والسنة من أصو ل الكفر. مع أن الآية لا تشير أصلًا إلى ما اعتقد أنه ظاهرها.
وكذلك اعتقاده أن ظاهر آية آل عمران المذكورة هو ما زعمه نصارى نجران. من أن عيسى ابن الله فإنه كله باطل وليس شيء مام زعم ظاهر القرآن مطلقًا. كما لا يخفى على عاقل.
وقول الصاوي في كلامه المذكور في سورة آل عمران: إن العلماء قالوا: إن الأخذ بظواهر الكتاب والسنة من أصو ل الكفر. قول باطل لا يشك في بطلأنه من عنده أدنى معرفة.
ومن هم العلماء الذين قالوا إن الأخذ بظواهر الكتاب والسنة من أصو ل الكفر؟
سموهم لنا. وبينوا لنا من هم؟
والحق الذي لا شك فيه أن هذا القول لا يقوله عالم. ولا متعلم. لأن ظواهر الكتاب والسنة هي نور الله الذي أنزله على رسوله ليستضاء به في أرضه وتقام به حدوده. وتنفذ به أوامره. وينصف به بين عباده في أرضه.
والنصوص القطعية التي لا احتمال فيها قليلة جدًّا لا يكاد يوجد منها إلا أمثلة قليلة جدًّا كقوله تعالى: {فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الحج وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ} [البقرة: 196].
والغالب الذي هو الأكثر هو كون نصوص الكتاب والسنة ظواهر.
وقد أجمع جميع المسلمين على أن العمل بالظاهر واجب حتى يرد دليل شرعي صارف عنه. إلى المحتمل المرجوح. وعلى هذا كل من تكلم في الأصو ل.
فتنفير الناس وإبعادها عن كتاب الله. وسنة رسوله. بدعوى أن الأخذ بظواهرهما من أصو ل الكفر هو من أشنع الباطل وأعظمه كما ترى.
وأصو ل الكفر يجب على كل مسلم أن يحذر منها كل الحذر. ويتباعد منها كل التباعد ويتجنب أسبابها كل الاجتناب. فيلزم على هذا القول المنكر الشنيع وجوب التباعد من الأخذ بظواهر الوحي.
وهذا كما ترى. وبما ذكرنا يتبين أن من أعظم أسباب الضلال. ادعاء أن ظواهر الكتاب والسنة دالة على معان قبيحة. ليست بلائقة.
والواقع في نفس الأمر بعدها وبراءتها من ذلك.
وسبب تلك الدعوى الشنيعة على ظواهر كتاب الله. وسنة رسوله. هو عدم معرفة مدعيها.
ولأجل هذه البلية العظمى. والطامة الكبرى. زعم كثير من النظار الذين عندهم فهم. أن ظواهر آيات الصفات وأحاديثها. غير لائقة بالله. لأن ظواهرها المتبادرة منها هو تشبيه صفات الله بصفات خلقه. وعقد ذلك المقري في إضاءته في قوله:
والنص إن أوهم غير اللائق ** بالله كالتشبيه بالخلائق

فاصرفه عن ظاهره أجماعًا ** واقطع عن الممتنع الأطماعا

وهذه الدعوى الباطلة. من أعظم الافتراء على آيات الله تعالى. وأحاديث رسوله صلى الله عليه وسلم.
والواقع في نفس الأمر أن ظواهر آيات الصفات وأحاديثها المتبادرة منها. لكل مسلم راجع عقله. هي مخالفة صفات الله لصفات خلقه.
ولا بد أن نتساءل هنا فنقول:
أليس الظاهر المتبادر مخالفة الخالق للمخلوق. في الذات والصفات والأفعال؟
والجواب الذي لا جواب غيره: بلى.
وهل تشابهت صفات إله مع صفات خلقه حتى يقال إن اللفظ الدال على صفته تعالى ظاهره المتبادر منه تشبيهه بصفة الخلق؟
والجواب الذي لا جواب غيره: لا.
فبأي وجه يتصور عاقل أن لفظًا أنزله الله في كتابه. مثلًا دالًا على صفة من صفات الله اثنى بها تعالى على نفسه. يكون ظاهره المتبادر منه. مشابهته لصفة الخلق؟ {سُبْحَانَكَ هذا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ} [النور: 19].
فالخالق والمخلوق متخالفان كل التخالف وصفاتهما متخالفة كل التخالف.
فبأي وجه يعقل دخول صفة المخلوق في اللفظ الدال على صفة الخالق؟ أودخول صفة الخالق في اللفظ الدال على صفة المخلوق مع كمال المنافقاة بين الخالق والمخلوق؟
فكل لفظ دل على صفة الخالق ظاهره المتبادر منه أن يكون لائقًا بالخالق منزهًا عن مشابهة صفات المخلوق.
وكذلك اللفظ الدال على صفة المخلوق لا يعقل أن تدخل فيه صفة الخالق.
فالظاهر المتبادر من لفظ اليد بالنسبة للمخلوق. هو كونها جارحة هي عظم ولحم ودم. وهذا هو الذي يتبادر إلى الذهن في نحو قوله تعالى: {فاقطعوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38].
والظاهر المتبادر من اليد بالنسبة للخالق في نحو قوله: {مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص: 75] أنها صفة كمال وجلال. لائقة بالله جل وعلا ثابتة له على الوجه اللائق بكماله وجلاله.
وقد بين جل وعلا عظم هذه الصفة وما هي عليه من الكمال والجلال. وبين أنها من صفات التأثير كالقدرة. قال تعالى في تعظيم شأنها {وَمَا قَدَرُواْ الله حَقَّ قَدْرِهِ والأرض جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ القيامة والسماوات مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وتعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [الزمر: 67].
وبين أنها صفة تأثير كالقدرة. في قوله تعالى: {قال ياإبليس مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيِّ} [ص: 75]. تفصريحه تعالى بأنه خلق نبيه آدم بهذه الصفة العظيمة التي هي صفات كماله وجلاله يدل على أنها من صفات التأثير كما ترى.
ولا يصح هنا تأويل اليد بالقدرة ألبتة. لإجماع أهل الحق والباطل. كلهم على أنه لا يجوز تثنية القدرة.
ولا يخطر في ذهن المسلم المراجع عقله. دخول الجارحة التي هي عظم ولحم ودم في معنى هذا اللفظ. الدال على هذه الصفة العظيمة من صفات خالق السماوات والأرض.
فاعلم أيها المدعي أن ظاهر لفظ اليد في الآيةالمذكورة وأمثالها. لا يليق بالله. لأن ظاهرها التشبيه بجارحة الإنسان. وأنها يجب صرفها. عن هذا الظاهر الخبيث. ولم تكتف بهذا حتى ادعيت الإجماع على صرفها عن ظاهرها. إن قولك هذا كله افتراء عظيم على الله تعالى. وعلى كتابه العظيم. وإنك سببه كنت عظم المشبهين والمجسمين. وقد جرك شؤم هذا التشبيه. إلى ورطة التعطيل. فنفيت الوصف الذي أثبته الله في كتابه لنفسه بدعوى أنه لا يليق به. وأولته بمعنى آخر من تلقاء نفسك بلا مستند من كتاب ولا سنة ولا إجماع. ولا قول أحد من السلف.
وماذا عليك لوصدقت الله وآمنت بما مدح به فنسه على الوجه اللائق بكماله وجلاله من غير كيف ولا تشبيه ولا تعطيل؟
وبأي موجب سوغت لذهنك أن يخطر فيه صفة المخلوق عند ذكر صفة الخالق؟
هيل تلتبس صفة الخالق بصفة المخلوق عن أحد؟ حتى يفهم صفة المخلوق من اللفظ الدال على صفة الخالق؟
فاخش الله يا إنسان. واحذر من التقول على الله بلا علم. وامن بما جاء في كتاب الله مع تنزيه الله عن مشابهة خلقه.
واعلم أن الله الذي أحاط علمه بكل شيء لا يخفى عليه الفرق بين الوصف اللائق به والوصف غير اللائق به. حتى يأتي إنسان فيتحكم في ذلك فيقول: هذا الذي وصفت به نفسك غير لائق بك. وأنا أنفيه عنك بلا مستند منك ولا من رسولك. واتيك بدله بالوصف اللائق بك.
فاليد مثلا التي وصفت بها نفسك لا تليق بك لدلالتها على التشبيه بالجارحة. وأنا أنفيها عنك نفيًا باتاص. وأبدلها لك بوصف لائق بك وهو النعمة أو القدرة مثلًا أو الجود.
{سُبْحَانَكَ هذا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ}.
[النور: 19].
{فاتقوا الله ياأولي الألباب الذين آمنوا قَدْ أَنزَلَ الله إِلَيْكُمْ ذِكْرًا رَّسولا يَتْلُوعَلَيْكُمْ آيات الله مُبَيِّنَاتٍ لِّيُخْرِجَ الذين آمنوا وَعَمِلُواْ الصالحات مِنَ الظلمات إِلَى النور} [الطلاق: 10- 11].
ومن الغريب أن بعض الجاحدين لصفات الله المؤولين لها بمعان لم ترد عن الله ولا عن رسوله يؤمنون فيها ببعض الكتاب دون بعض.
فيقرون بأن الصفات السبع التي تشتق منها أوصاف ثابتة لله مع التنزيه. ونعني بها القدرة والإرادة والعلم والحياة والسمع والبصر والكلام. لأنها يشتق منها قادر حي عليم إلخ. وكذلك في بعض الصفات الجامعة كالعظمة والكبرياء والملك والجلال مثلًا. لأنها يشتق منها العظيم المتكبر والجليل والملك. وهكذا ويجحدون كل صفة ثبتت في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم لم يشتق منها غيرها كصفة اليد والوجه ونحوذلك. ولا شك أن هذا التفريق بين صفات الله التي أثبتها لنفسه أوأثبتها له رسوله صلى الله عليه وسلم لا وجه له ألبتة بوجه من الوجوه.
ولم يرد عن الله ولا عن رسوله صلى الله عليه وسلم الإذن في الإيمان ببعض صفاته وجحد بعضها. وتأويله لأنها لا يشتق منها.
وهل يتصور عاقل أن يكون عدم الاشتقاق مسوغًا لجحد ما وصف الله به نفسه؟
ولا شك عند كل مسلم راجع عقله. أن عدم الاشتقاق لا يرد به كلام اللهن فيما أثنى به على نفسه. ولا كلام رسوله فيما وصف به ربه.
والسبب الموجب للإيمان إيجابًا حتمًا كليًا هو كونه من عند الله. وهذا السبب هو الذي علم الراسخون في العلم أنه الموجب للإيمان بكل ما جاء عن الله سواء استأثر الله بعلمه كالمتشابه. أوكان مما يعلمه الراسخون في العلم كما قال الله عنهم: {والراسخون فِي العلم يَقولونَ امَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا} [آل عمران: 7].
فلا شك أن قوله تعالى: {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص: 75] من عند ربنا. وقوله تعالى: {والله على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [البقرة: 284] من عند ربنا أيضًا. فيجب علينا الإيمان بالجميع. لأنه كله من عند ربنا.
أما الذي يفرق بينه. وهو عالم بأن كله من عند ربه. بأن هذا يشتق منه. وهذا لا يشتق منه فقد امن ببعض الكتاب دون بعض.
والمقصود أن كلما جاء من عند الله. يجب الإيمان به سواء كان من المشتابه. أو من غير المشتابه. وسواء كان يشتق منه أولا.
ومعلوم أن مالكًا رحمه الله سئل كيف استوى. فقل الاستواء غير مجهو ل والكيف غير معقول. والإيمان به واجب.
وما يزعمه بعضهم من أن القدرة والإرادة مثلًا ونحوهما ليست كاليد. والوجه. بدعوى أن القدرة والإرادة مثلًا ظهرت اثارهما في العالم العلوي والسفلي بخلاف غيرهما كصفة اليد ونحوها فهو من أعظم الباطل.
ومما يوضح ذلك أن الذي يقول هو وأبوه وجده من آثار صفة اليد اليت خلق الله بها نبيه آدم.
ونحن نرجوأن يغفر الله للذين ماتوا على هذا الاعتقاد. لأنهم لا يقصدون تشبيه الله بخلقه. وإنما يحاولون تنزيهه عن مشابهة خلقه.
فقصدهم حسن ولكن طريقهم إلى ذلك القصد سيئة.
وإنما نشأ لهم ذلك السوء بسبب أنهم ظنوا لفظ الصفة التي مدح الله بها نفسه يدل ظاهره على مشابهة صفة الخلق فنفوا الصفة التي ظنوا أنها لا تليق قصدًا منهم لتنزيه الله. وأولوها بمعنى آخر يقتضي التنزيه في ظنهم فهم كما قال الشافعي رحمه الله:
رام نفعًا فضر من غير قصد ** ومن البر ما يكون عقوقا

ونحن نرجوأن يغفر الله لهم خطأهم. وأن يكونوا داخلين في قوله تعالى: {اوليس عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ ولكن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ الله غَفُورًا رَّحِيمًا} [الأحزاب: 5].
وخطؤهم المذكور لا شك فيه. ولو وفقهم الله لتطهير قلوبهم من التشبيه أولا. وجزموا بأن ظاهر صفة الخالق هو التنزيه عن مشابهة صفة المخلوق. لسلموا مما وقعوا فيه.
ولا شك أن النبي صلى الله عليه وسلم. عالم كل العلم. بأن الظاهر المتبادر. مما مدح الله به نفسه. في آيات الصفات هو التنزيه التام عن صفات الخلق. ولوكان يخطر في ذهنه لا يليق. لأنه تشبيه بصفات الخلق. لبادر كل المبادرة غلى بيان ذلك. لأنه لا يجوز في حقه تأخير البيان عن وقت الحاجة إليه. ولاسيما في العقائد. ولاسيما فيما ظاهره الكفر والتشبيه.
فسكوت النبي صلى الله عليه وسلم عن بيان هذا يدل على أن ما زعمه المؤولون لا أساس له كما ترى.
فإن قيل: إن هذا القرآن العظيم. نزل بلسان عربي مبين. والعرب لا تعرف في غلتها. كيفية لليد مثلًا. إلا كيفية المعاني المعروفة عندها كالجارحة. وغيرها من معاني اليد المعروفة في اللغة. فبينوا لنا كيفية لليد ملائمة لما ذكرتم.
فالجواب من وجهين:
الوجه الأول: أن العرب لا تدرك كيفيات صفات الله من لغتها. لشدة منافاة صفة الله لصفة الخلق.
والعرب لا تعرف عقولهم كيفيات إلا لصفات الخلق. فلا تعرف العرب كيفية للسمع والبصر. غلا هذه المشاهدة. في حاسة الأذن والعين. أما سمع لا يقوم بأذن وبصر لا يقوم بحدقة. فهذا لا يعرفون له كيفية ألبتة.
فلا فرق بين السمع والبصر. وبين اليد والاستواء. فالذي تعرف كيفيته العرب من لغتها من جمع ذلك. هو المشاهد في المخلوقات.
وأما الذي اتصف الله به من ذلك. فلا تعرف له العرب كيفية. ولا حدًا لمخالفةصفاته لصفات الخلق. إلا أنهم يعرفون من لغتهم أصل المعنى. كما قال الإمام مالك رحمه الله: الاستواء غير مجهو ل. والكيف غير معقول. والإيمان به واجب. والسؤال عنه بدعة.
كما يعرفون من لغتهم. أن بين الخالق والمخلوق. والرزق والمرزوق. والمحيي والمحيا. والمميت والممات. فوارق عظيمة لا حد لها. تستلزم المخالفة. التامة. بين صفات الخالق والمخلوق.
الوجه الثاني: أن نقول لمن قال: بينوا لنا كيفية لليد ملائمة لما ذكرتم. من كونها صفة كمال. وجلال. منزهة عن مشابهة جارحة المخلوق.